مابين الزعيم ( المشير ) والعميد ( السفير ) ..!!


مابين الزعيم ( المشير ) والعميد ( السفير ) ..!!

 

العرب بوست |محرر الشئون اليمنية

ما بين الراقص على رؤوس الثعابين ومُحيّر الثعابين ..!!

لعل الكثير ممن انتقدوا وصف الرئيس السابق علي عبدالله صالح للحكم في اليمن بأنه أشبه بالرقص على رؤوس الثعابين .. أدركوا دقة وعمق المعنى الذي كان يعنيه الرجل..

 

فالواقع الذي يراه الشعب أشبه بصراع الأفاعي .. الجميع يريد القضاء على الجميع.. والشعب وحده من يتجرع السموم التي تنفثها كل هذه الأفاعي من الداخل والخارج !!

 

ولهذا السبب كان يدرك الرئيس السابق علي عبدالله صالح بأن حالة القوى السياسية الظاهرة والمتخفية هي حالة تربص.. (الجميع يتربص بالجميع وينتظر الوقت المناسب) ولذلك كان الرئيس صالح العنصر الذي يتحكم بعملية تفاعل هذه المعادلة الخطيرة.. ليجنب الشعب والوطن حالة الانفجار وما بعده.. 

لذلك استمر بالعبور كالماشي في حقل ملغوم.. أو كما وصف خطورة المشهد بنفسه بأنه كالراقص على رؤوس الأفاعي . وكم ظهرت من الأفاعي التي كانت تبدو كالحمل الوديع..

 

لكن السؤال: لماذا تجنب السفير أحمد علي عبدالله صالح الرقص على رؤوس الأفاعي.. أو على الأقل لماذا لم يحلو له الرقص مع الأفاعي ؟! 

لقد حيّر الأفاعي نفسها فضلاً عن الكثير من السياسيين والمتابعين للمشهد في اليمن!! 

 

هل أنه لا يحب هذا الفن أم أنه أعمق من ذلك.. أم أنه فضّل أن يدع الأفاعي تتراقص وتبدو على حقيقتها وخطورتها أمام الشعب ؟ أم أنه يرى أن أفاعي اليوم لا ترقى إلى المستوى السياسي والوطني الذي يليق بمعنى الرقص السياسي ومناوراته ؟!! أم أنه استفاد من تراكم خبرته وخبرة والده وبقى يتابع وكأنه يراقصهم ؟ أم أنه نأى بنفسه عن هذا العبث ؟ أم أنه ليس مستعداً عن التخلي عن ثوابته الوطنية من واقع إدراكه أن الراقص وسط هذا العبث لابد أن يتخلى عن بعض مبادئه وقيمه أو الكثير منها.. أم أن هناك أسباب متداخلة أو أخرى ؟! 

 

تبدو الحقيقة متداخلة ولكن ثمة أمرٌ متفق عليه.. وهو أن الراقص على رؤوس الأفاعي كان مجبراً على ذلك من واقع مسؤوليته كرئيس للدولة.. بينما العميد أحمد علي عبدالله صالح بعيداً عن أي منصب حكومي يفرض عليه واقع الرئيس السابق.. فضلاً عن بقائه تحت عقوبات دولية كيدية .. علاوةً على كونه عُرف بالانضباط الصارم .. وهنا قد تكمن بعض الأسرار .. 

 

فالرئيس صالح وإن كان رجلاً عسكرياً بامتياز .. إلا أنه سياسي أكثر منه عسكري.. قبيلي أكثر منه مدني .. قيادي أكثر منه إدراي.. وبالتأكيد يجمع الصفات السابقة معاً.. ولكن الفرق هو في تفاوت النسب حيث تطغى هذه الصفة في موقف وتطغى الأخرى في موقف آخر بحسب ما يراه يتطلب الموقف .. هل يتصرف كسياسي أم عسكري هل كقائد أم كإداري .. هل كابن مؤسسة الدولة أم كابن القبيلة ؟

 

ولكن خطورة المعادلة هذه واعتبارات حساباتها وتداعيات ما بعد القرار أو التصرف المتخذ وفق المحددات السابقة.. كانت تجبر الرئيس على التجاوز بين ما هو القرار الصحيح وبين ما يجب أن يتخذه.. 

 

على سبيل المثال: (القرار الصحيح بعد حادثة تفجير مسجد الرئاسة واستهداف كل كبار قيادة الدولة.. كان هو التوجيه بالقبض على قيادات النكبة ومحاكمتهم وإطفاء نار الفتنة .. ورغم أن الرئيس كان قادراً على التوجيه بذلك وتنفيذه بدون شك.. لكنه فضل تجنب ذلك لما سيحدثه من اقتتال وسفك دماء حتى لو كان لفترة مؤقتة.. ولم يكن يتوقع أن تسامحه سيجعل البعض يزداد لؤماً وحقداً.. ولربما عزز ذلك أنه لم يكن يريد أن يتحمل في رقبته دماء حتى ولو كان في المكان المخول له بفرض سلطة الدولة بالقوة بغض النظر عن الثمن)

 

ومن هنا.. فالسياسي القائد (المشير) كان يخرج عن القواعد الضابطة حتى يصل إلى مرحلة التساهل لحسابات ضرورية ومعقولة كما في المثال السابق .. بعكس ما تبدو عليه شخصية القائد السياسي (العميد) الذي يؤمن بالانضباط والصرامة الأمر الذي أخاف النافذين في الدولة والذين تحولوا إلى معاول هدم للإنقاض والإنقلاب على النظام الذي كانوا جزءًا منه في العام 2011م

 

فشخصية العميد أحمد علي التي لا تؤمن بالإنضباط فقط بل وتترجمه فعلاً في نهجها وسلوكها وبرامجها.. جعلت من الأيادي النافذة تخاف على مستقبلها أمام هذا النهج الذي يرسمه ويفرضه العميد علي عبدالله صالح لتقليص دور تلك الأيادي الجشعة لصالح النظام والدستور والقوانين واللوائح.. 

فهذا النهج الذي سيفضي إلى النمو الشامل لصالح مؤسسات الدولة.. بكل تأكيد سينتج عنه تحجيم الجيوب ذات المصلحة الشخصية التي تستغل مواقعها ونفوذها لتعظيم المواقع وتوسيع النفوذ.. وليس لتطوير الدولة وتحسين حال المواطن اقتصادياً ومعرفياً وخدماتياً كما يجب.. 

 

فالشخصية الذي أخافت أفاعي الأمس.. هي نفس الشخصية التي تحيّر أفاعي اليوم.. 

 

مع الإشارة إلى أن الذي كان يتشبث بأشياء ويتجاوز عن أشياء.. كما كان الرئيس صالح .. أصبح شيئاً مفقوداً في حال اليوم.. حيث أن القرار لم يعد قراراً وطنياً من الداخل.. بل أصبح مصنوعاً بالتجميع من عدة جهات ودولة إقليمية ودولية ..  حيث أصبح ما يميز القرار اليمني أنه لا علاقة له باليمن لا شعبياً ولا حتى سياسياً.. 

 

وعلى ما سبق فإن العلة والتشخيص متشابهين.. وتمكن المشكلة في التشخيص الموضوعي أولاً ثم في اختيار العلاج المناسب.. ولكن العلاج لا يمكن أن يتم بشكل مزاجي أو عشوائي أو وفق أهواء الممرض الذي يشرف على الحالة أثناء وبعد العملية الجراحية بل كما يبينه التشخيص العلمي والموضوعي .. 

 

لا يمكن أن يقوم الأسبرين بمهام القسطرة القلبية.. ولا ولا ينبغي لراعي العملية أن يفرض مسؤول الترويج والتسويق في المستشفى مكان الطبيب المختص.. 

 

ما فائدة أن ترعى عملية جراحية ثم تضع الشخص الذي تجد أنه سينفذ تعليماتك وملاحظاتك حتى ولو كانت خاطئة.. لأنه مجرد منفذ ما يملى عليه وليس ما يمكن أن يحقق نجاح العملية.. 

نجاح العملية بحاجة إلى طبيب منضبط يعرف ماذا يعمل وليس ماذا يقال له أن يفعل.. لأن الذي لا يدري ما يعمل.. سيحدث فجوة ثم صراع بينه وبين الممرض والجراح والمريض وكل البيئة المحيطة به نتيجةً قراراته وتصرفاته الغير ملائمة بل والقاتلة التي تؤدي إلى نتائج عسكية تفاقم الوضع وتخرجه عن سيطرة هذا الذي قبل أن يقوم بدور لا يجيده.. وبالتأكيد خروج الوضع عن سيطر الراعي وزيادة ثمن ومخاطر الوضع الناتج.....